الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***
(ويسقط الإعذار في الترشيد حيث وصيه من الشهود) إذ لا منازع له غيره. مفهومه أنه إذا لم يشهد بترشيده فلا بد من الإعذار إليه إن طلبه فإن أبدى مطعناً فذاك وإلاَّ لزمه ترشيده، ومفهوم وصيه أنه لا يسقط الإعذار حيث كان المقدم من الشهود، وهذا كله على ما تقدم من أن للوصي الترشد بما يعرف من حال محجوره بخلاف مقدم القاضي، وأما على ما مر عن ابن عطية من مساواة الوصي للمقدم فلا يسقط الإعذار ويكلفهما القاضي بأن يبحثا عن أحوال الشهود، فإن اتهمهما في التقصير عن البحث للعلة السابقة فيبحث هو بنفسه أو يأمر من يبحث له. ولما فرغ من الكلام على ذي الأب والوصي أشار إلى المهمل وذكر فيه أربعة أقوال فقال: (والبالغ الموصوف بالإهمال) أي ليس له أب ولا وصي ولا مقدم من قاض بل وكذلك إذا كان له أحد هؤلاء فلا مفهوم للإهمال على قول ابن القاسم هذا (معتبر) حكمه ( بوصفه في الحال) أي: في حال تصرفه ببيع أو شراء وغيرهما ثم فسر ذلك بقوله: (فظاهر الرشد) حال تصرفه وشهدت به بينة معتبرة (يجوز فعله) وتصرفه ولو بهبة ونحوها ويمضي ذلك عليه ولا مقال لأبيه ولا لغيره في فسخه ما لم يكن في بيعه وابتياعه غبن فيجري على حكمه المتقدم في فصله. (وفعل ذي السفه) الظاهر الذي شهدت بينة أيضاً (رد) فعله (كله) كان فيه غبن أم لا كان له ولي أم لا لأنه محجور شرعاً وفي نفس الأمر فلا يمضي شيء من أفعاله ولو وافقت السداد. (وذاك) أي هذا القول (مروي عن ابن القاسم) مطلقاً (من غير تفصيل) بين أن يتصل سفهه أو لا بخلافه في القول الثالث فإنه يفصل فيه التفصيل المذكور (له) متعلق بقوله (ملائم) نعت لتفصيل، وبهذا القول القضاء وعليه العمل إلى الآن، ولذا صدر به الناظم خلافاً لما في (خ) من تصديره بقول مالك المشار له بقوله: (ومالك يجيز كل ما صدر بعد البلوغ عنه) يتعلق بصدر (من غير نظر) إلى كونه رشيداً أو سفيهاً معلناً بالسفه أم لا اتصل سفهه بالبلوغ أم لا وظاهره ولو تصرف بغير عوض كعتق وهبة وصدقة وهو كذلك لأن العلة عنده في رد فعله وجود الولاية وهي لم توجد وبهذا صدر (خ) حيث قال: وتصرفه قبل الحجر محمول على الإجازة عند مالك لا ابن القاسم الخ. (و) القول الثالث (عن مطرف) وابن الماجشون (أتى) أن (من) شهدت فيه بينة بأنه (اتصل سفهه) من حين بلوغه إلى وقت تصرفه ببيع ونحوه (فلا يجوز ما فعل) ويرد بيعه وغيره. (وإن يكن) طرأ (سفه بعد) أن شهدت بينة ب (الرشد) وحفظ المال (ففعله) الذي فعله من حال طرو السفه (ليس له من رد) بل هو لازم له وهذا. (ما لم يبع من خادع) أي ما لم يكن بيعه بيع غبن وخديعة ببينة كأن يبيع ما يساوي ألفاً بمائة أو يشتري كذلك (فيمنع) بيعه وابتياعه ويفسخان ويقضي عليه برد الثمن في الابتياع والثمن في البيع إن بقيا بيده (و) أما إن فات (بالذي أفاته) من ذلك (لا يتبع) حيث لم يصون به ماله وإلا ضمن الأقل منه ومما صونه كما مر عند قوله في الوديعة: ولا ضمان فيه للسفيه الخ إذ غايته أن المشتري هنا سلطه على الثمن والبائع سلطه على المثمن، فهو أمين فيهما ولا ضمان عليه فيهما حيث لم يصن بهما ماله على قول مطرف، وكذا على قول ابن القاسم حيث كان ظاهر السفه بخلافه على قول مالك، ثم قول مطرف لم يفرق فيه بين معلن السفه وغيره بل بالاتصال وعدمه، وفرق بينهما أصبغ وهو رابع الأقوال، وإليه أشار بقوله: (ومعلن) أي ظاهر (السفه) لكل أحد لا يصيب السداد في شيء من أفعاله (رد) أصبغ (ابن الفرج) جميع (أفعاله والعكس) أي صاحب العكس وهو غير معلن السفه ولا ظاهره لكل أحد بل يصيب السداد في البعض دون البعض (في العكس اندرج) فتمضي أفعاله ولا يرد شيء منها وبقولي: لكل أحد الخ. تظهر المغايرة من قولي أصبغ ومطرف إذ مطرف لا يشترط ظهوره لكل أحد بل يكتفي ثبوته بالبينة وإن لم يظهر بغيرها ويعتبر الاتصال وعدمه، وأصبغ يشترط ذلك ولا يعتبر الاتصال وعدمه والله أعلم. ثم أشار إلى البالغ المهمل المجهول الحال الذي لم تشهد بينة بظهور رشده ولا بضده فقال: (وفعل من يجهل) مبتدأ (بالإطلاق) يتعلق بقوله يجوز (حالته) نائب فاعل يجهل ( يجوز) خبر المبتدأ (باتفاق) حال أي: وفعل من يجهل حاله يجوز بالإطلاق كان بعوض أو لا حال كون الجواز باتفاق الأقوال المتقدمة، ويجوز أن يكون باتفاق يتعلق بيجوز وبالإطلاق حال. وقولي: المهمل احترازاً من المجهول ذي الأب أو الوصي أو المقدم فإنه لا يمضي شيء من أفعاله إلى ظهور رشده، نعم ذو الأب إذ بلغ مجهول الحال ولم يجدد عليه الحجر حتى مضى العام ونحوه فهو على الرشد كما مر. وحاصل ما تقدم من أول الباب أن غير البالغ من الذكور أفعاله كلها مردودة، ولو ظهر له شبه رشد فلا عبرة بذلك إلا أن يكون تصرفه برضا وليه وسكوته كما مر، والبالغ منهم إن ثبتت له حالة رشد فأفعاله ماضية والعكس بالعكس ولا عبرة بحجر ولا فك كان له أب أو وصي أو مقدم أو لم يكن له شيء من ذلك على قول ابن القاسم المعمول به من مراعاة الحال مطلقاً كما مر، وإن كان قد بلغ مجهول الحال ولم يثبت سفهه ولا رشده فإن كان ذا أب وجدد عليه الحجر بالفور كما مر مضى على حجره حتى يثبت رشده فيخرج، ولو لم يطلقه أبوه، وإن كان ذا وصي أو مقدم فهو على حجره حتى يثبت رشده فيخرج أيضاً ولا يحتاج إلى فكهما على المعمول به خلافاً لما في حاشية ابن رحال من اشتراط الفك وإن لم يكن له حاجر أصلاً فأفعاله جائزة. هذا هو المعمول به في الذكور، وأما الإناث فسيأتي الكلام عليهن في النظم إن شاء الله. تنبيهان: الأول: تقدم في اختلاف المتبايعين أن المحجور إذا باع فيما لا غنى له عنه ووافق السداد أو باع ما ليس بمصلحة بحضرة وليه أو تصرف بغير محاباة بمحضر وليه وسكوته، فإن ذلك ماض انظره هناك، وانظر أيضاً ما تقدم أول هذا الباب وتقدم أيضاً عند قوله في الوديعة: ولا ضمان فيه للسفيه الخ. أن المحجور إذا أودع وديعة عند رشيد فإن الرشيد يضمنها، وأن المحجور إذا أمن محجوراً أو عامله فأتلف الثمن فإن الضمان على المتلف بكسر اللام، وإذا طلب المشتري من المحجور أو البائع منه تحليف الولي أنه ما أذن لمحجوره في البيع والشراء حيث لم يكن ذلك بمحضر وليه فلا يمين عليه كما يأتي عند قوله: وجاز للوصي فيمن حجرا *** أعطاه بعض ماله مختبر الثاني: قال في الكراس الثاني من معاوضات المعيار: أن الذي به العمل أن المحجور إذا مات وليه فالحجر منسحب عليه حتى يطلق اه. يعني بترشيد حاجره أو ثبوت رشده على ما به العمل من اعتبار الحال كما مر، وسيأتي قول الناظم: وليس للمحجور من تخلص *** إلا بترشيد إذا مات الوصي والله أعلم. (ويجعل القاضي بكل حال على السفيه) الثابت سفهه (حاجراً في المال) يحفظه له ويمنعه من التصرف فيه لئلا يضيعه والسفه خفة العقل ومنه ثوب سفيه أي خفيف قاله السوداني، والمراد به هنا ما يشمل الصبي، وانظر إذا أخبر القاضي بسفهه ولم يجعل عليه حاجراً حتى أتلف ماله، والظاهر أنه يجري على قول (خ) كتخليص مستهلك من نفس أو مال فيضمن، وكذا يضمن الشهود إذا علموا ولم يخبروا القاضي بذلك أيضاً. وانظر أيضاً في الرجل أو المرأة يضع يده على مال الأيتام من غير إيصاء ولا تقديم وأمكنه الرفع إلى الحاكم فلم يفعل أنه مصدق فيما يدعي تلفه ويده في ذلك يد أمانة كالملتقط وحافظ المال الذي لا حافظ له قاله في وصايا المعيار، ثم إذا جعل عليه حاجراً فإنه ينفق على المحجور منه بالمعروف ولا يجب عليه أن يتجر بالمال، وإنما يستحب ذلك فقط كالوصي، وإذا تلف في حال التجارة أو قبلها أو بعدها فلا ضمان لأنه كالمودع ما لم يفرط ويشترى له به الرقيق للغلة والحيوان من الماشية كما في (ح) وأحرى إذا كان الحيوان من متروك أبيه فإنه يتركه له للغلة إن كان مصلحة وما يقوله العامة من الطلبة من أن المحجور لا يترك له الحيوان لسرعة تغيره خطأ لما علمت من أن ذلك بحسب المصلحة، والمصلحة في البوادي هو ترك ذلك لهم وشراؤه لهم، وفي الحواضر عدم الشراء والترك لعدم من يصونه في الغالب، فإن وجد من يصونه ترك لهم، وانظر ابن سلمون. ولا يجوز أن تدخل أموال اليتامى في ذمة الأوصياء بأن يكون لهم ربحها وعليهم ضمانها لأنه سلف بمنفعة نقله (ح) لكن ذكر الشيخ محمد العربي بردلة: أن العمل على خلافه وأنه جرى العمل بجعل المال في ذمة الوصي والمقدم قائلاً: ولم ندرك الأمر إلا على ذلك، وفعلوا ذلك لكونه من المصالح العامة فلما قلت الأمانة وصار الأوصياء يأكلون أموال اليتامى ويزعمون تلفها جعل العلماء ذلك في ذمتهم احتياطاً للمحجور كما جعلوا أجرة الدلال جعلاً إن باع قبضا وإلاّ فلا لقلة الأمانة في السماسرة اه. قلت: ولا زال العمل على ما قاله إلى الآن فيقول الموثق في وثيقة زمام التركة بعد إخراج صوائرها ما نصه: وما بقي من المتروك بعد الصوائر المذكورة وقدره كذا هو للمحجور في ذمة الوصي أو المقدم لا يبرأ منه إلا بموجب الخ. وإلاَّ فكان الواجب على ما مر عن (ح) أن يقول: وما بقي فهو أمانة تحت يد الوصي وحفظه إلى رشد محجوره ودفعه له بموجب، فإذا ادعى التلف صدق على هذا لا على ما به العمل. ولما فرغ من الكلام على ما يخرج به الذكر من الحجر شرع في الكلام على ما تخرج به الأنثى وأنها أربعة أقسام: ذات أب أو وصي أو مقدم أو مهملة فقال: (وإن تكن) أي توجد (بنت) فاعل (و) الحال أنها (حاضت و) أن (الأب حي) احترز بالأول مما إذا لم تحض فإنها داخلة في قوله فيما مر: والابن ما دام صغيراً الخ. وبالثاني مما إذا مات الأب فإنه إما أن يوصي عليها غيره أو يتركها مهملة، وسيأتي ذلك قريباً (فليس الحجر عنها) أي عن التي حاضت ولها أب حي (يذهب) بل تستمر في حجره ولا تخرج منه. (إلا) بأحد أمرين أولهما (إذا ما) زائدة (نكحت) أي إلا إذا تزوجت ووطئها الزوج (ثم مضى سبعة أعوام) من يوم وطئه إياها فإنها تخرج حيئذ بمضيها حيث جهل حالها، فإن عرفت بالسفه فلا تخرج ولو مضى لها أكثر من عشرة أعوام (وذا) القول ( به القضا) ء والعمل كما لابن رشد ومحل خروجها بمضي المدة المذكورة مع جهل الحال. (ما لم يحدد) أبوها (حجرها إثر البنا) ء بها ووطئه إياها بأن يقول للشهود: اشهدوا علي بأني جددت الحجر على بنتي فلانة المذكورة في رسم النكاح أعلاه بحيث لا تفعل فعلاً إلا بإذني ومهما فعلت بغير إذني فهو رد، ولا بد أن ينصوا في هذا الرسم على أنه قال لهم ذلك بعد البناء والوطء، فإن لم ينصوا على ذلك بطل التجديد لاحتمال أن يكون التجديد قبل الوطء، إذ لا يلزم من الدخول والبناء الوطء بالفعل إذ كلاهما عبارة عن إرخاء الستر عليها، نعم إذا كان عرفهم أن البناء والدخول لا يطلقان إلا على الوطء بالفعل فيكفي أن يقولوا: وذلك بعد البناء والدخول الخ. فإذا ثبت هذا الرسم فإنها لا تخرج حينئذ إلا بترشيده إياها ولو لم يعرف إلا من قوله: أو بثبوت رشدها ولو لم يرشدها على ما به العمل من اعتبار الحال كما مر. وهذا يقتضي أن الأب إذا مات قبل السبعة أعوام وقبل التجديد أن القاضي يقدم عليها كما يقدم على الصغار وهو كذلك كما لابن الحاج، ومراده بالإثر أن يكون التجديد داخل المدة التي تخرج بها وهي سبعة أعوام، فإذا خرجت لم يصح التجديد كما لا يصح قبل الدخول أيضاً لأنها محجورة، فالتجديد من تحصيل الحاصل كما مر عن العبدوسي، ثم ما ذكره الناظم تبعاً لابن رشد وغيره من أن العمل على أنها لا تخرج من الحجر إلا بمضي سبعة أعوام هو أحد أقوال سبعة ذكرها (ح) وقيل إنها تخرج من الحجر بانقضاء عامين إلا أن يجدد الأب الحجر قبل هذه المدة، وهي رواية ابن نافع عن مالك، قال ابن رشد: وهي رواية غراء أغفلها الشيوخ المتقدمون وحكموا برواية شاذة منسوبة لابن القاسم لا يعلم لها موضع، أنها لا تخرج إلا بمضي سبعة أعوام قال الوانشريسي في أنكحة المعيار: فإذا مات أبوها بعد مضي العامين من بناء زوجها فلا كلام في مضي أفعالها إن لم تعرف بسفه على هذه الراوية الغراء اه. وذكر ناظم عمل فاس أن عملهم على هذه الرواية فقال: .................................... *** والبكر حجرها أب ما جدده تخرج بالعامين من بعد الدخول *** جائزة الأفعال للرشد تؤول فيكون العمل الذي ذكره الناظم قد تبدل فتأمله وثاني الأمرين اللذين تخرج بهما من الحجر ما أشار له الناظم عاطفاً على نكحت بقوله: (أو) أي إلا إذا نكحت أو لم تنكح ولكن ثبت رشدها بالبينة و(سلم الرشد الذي تبينا) وثبت ولم يجد الأب فيه مطعناً فإنها تخرج من الحجر أيضاً ثم أشار إلى مفهوم قوله: والأب حي الخ. وهو ما إذا مات فإنه إما أن يكون قد أوصى عليها فهو قوله: (وحجر من وصى عليها) أبوها (ينسحب) ويستمر ولو دخل الزوج وبنى بها ومضت لها سبعة أعوام فأكثر من دخوله ولا يحتاج في استمرار وانسحابه إلى تجديد داخل السبعة ( حتى يزول حكمه) أي الحجر (بما يجب) من ترشيده إياها ولو لم يعرف إلاَّ من قوله على ما مر في قول الناظم: ويكتفي الوصي بالإشهاد الخ... لا على ما لابن عطية هناك من ثبوت رشدها بالبينة ولم يجد الوصي مطعناً فيها. (والعمل اليوم عليه) أي على ما ذكر من ترشيده إياها أو ثبوت رشدها (ماض ومثله) أي مثل الوصي من قبل الأب (حجر وصي القاضي) أي مقدمه في كونه ينسحب، ويستمر أيضاً حتى يزول حكمه بالبينة فقط ولا يكفي ترشيده إياها على ما قدمه في قوله: وفي ارتفاع الحجر مطلقاً يجب الخ. وإما أن يموت ولا يوصي عليها أحداً وهو قوله: (وإن تكن) التي حاضت (ظاهرة الإهمال) بحيث لم يوص عليها أبوها ولا قدم القاضي عليها أحداً (فإنها مردودة الأفعال) كلها من تبرعات ومعاوضات ولا يمضي منها شيء ولها إن رشدت رد ذلك كله ولو طال. (إلا مع الوصول للتعنيس) وهو خمسون سنة كما يأتي (أو) مع (مكث عام) من دخول الزوج بها (أثر) بفتح الهمزة والثاء المثلثة (التعريس) وهذا هو الذي به العمل ولذا صدر به الناظم. (وقيل) وهو لسحنون (بل أفعالها تسوغ) وتجوز (إن هي حالة المحيض) بالنصب مفعول مقدم بقوله (تبلغ) أي تمضي أفعالها بمجرد البلوغ لأنها عنده بمنزلة الذكر السفيه الذي لم يول عليه فتمضي أفعاله عند مالك لا ابن القاسم. (والسن في التعنيس من خمسين) سنة (فيما به الحكم) والقضاء (إلى الستين) سنة. وتحصيل ما به العمل في النسوة من قوله: وإن تكن بنت وحاضت إلى هنا أن من لم تبلغ المحيض منهن ففعلها مردود مطلقاً كما مر في قوله: والابن ما دام صغيراً الخ. ومن بلغت منهن إن ثبتت لها حالة رشد فأفعالها ماضية والعكس بالعكس، ولا عبرة بحجر ولا فك كان لها أب أو وصي أو مقدم أو لم يكن لها شيء من ذلك على المعمول به من مراعاة الحال مطلقاً كما مر في الذكر، وإن بلغت المحيض وهي مجهولة الحال فإن كانت ذات أب فلا يمضي فعلها إلا بعد مضي سبعة أعوام من دخولها على ما للناظم أو مضي عامين على ما لناظم عمل فاس حيث لم يجدد الأب عليها الحجر داخل السبعة أو العامين وإلا فلا يمضي فعلها أبداً إلا بثبوت رشدها أو ترشيده إياها، وإن كانت ذات وصي أو مقدم والموضوع بحاله من جهل الحال فلا يمضي شيء من أفعالها أيضاً حتى يثبت رشدها ولا تحتاج إلى فك أو يرشدها الوصي بمجرد قوله على ما للناظم لا على ما لابن عطية كما مر، وإن كانت مهملة والموضوع بحاله أيضاً ففعلها يمضي بالتعنيس أو مضي عام من دخولها. (وحيث رشد الوصي من حجر) أي رشد محجورته فولاية المال تذهب عنها وتزول و(ولاية النكاح تبقى بالنظر) فلا يعقد نكاحها غيره كما لو رشدها أبوها فإنه لا يعقد نكاحها غيره أيضاً إلا أن يكون هناك من يتقدم على الأب كالابن وابنه فيتقدم على الوصي أيضاً وهذا البيت تكرار مع قوله في النكاح: وإن يرشدها الوصي ما أبى *** فيها ولاية النكاح كالأب (وليس للمحجور) ذكراً أو أنثى (من تخلص) من الحجر (إلا بترشيد) ثابت شهدت به بينة معتبرة وحكم الحاكم به (إذا مات الوصي) أو المقدم وبقي من كان في حجرهما مهملاً أي فإنه لا يمضي شيء من أفعاله حتى يثبت رشده ويحكم الحاكم بإطلاقه. (وبعضهم) وهو ابن القاسم (قد قال) إذا مات وصيه وتركه مهملاً (بالسراح) من ثقاف الحجر (في حق من يعرف بالصلاح) في التصرف فتمضي أفعاله من حين حسن تصرفه ولو لم يحكم الحاكم بإطلاقه وهذا هو المعمول به كما مر لأن العبرة عنده بالحال لا الولاية والأول هو قول مالك يعتبر الولاية لا الحال وكان العمل به قديماً ثم تبدل، ولذا نقل (ح) عن البرزلي أنه إذا تصرف بعد موت وصيه فالذي به العمل أن تصرفه حينئذ كتصرفه قبل موته إلا أن يعرف فيه وجه الصواب اه. فهذا العمل إنما هو على ما لابن القاسم. (والشأن) الذي به العمل عند الموثقين (الإكثار من الشهود في عقدي التسفيه) وهو الشهادة بأنه مبذر لماله لا يحسن التصرف فيه ويسقط فيه سقوط من لا يعد المال شيئاً كما مر أول الباب عن المدونة فيستحق بذلك الضرب على يده ويمنع من التصرف فيه في المستقبل وترد أفعاله الماضية على المعمول به من اعتبار الحال لا على مقابله فإنه لا يرد الماضي من أفعاله (والترشيد) أي الشهادة بأنه حافظ لماله حسن النظر فيه فيجب بها مضي أفعاله وإن لم يطلقه وليه ولا الحاكم على المعمول به أيضاً. (وليس يكفي فيهما العدلان) بل الثلاثة والأربعة من العدول ومن اللفيف الستة عشر إلى العشرين كما لناظم العمل في شرحه عند قوله: وقدره في الغالب اثنا عشرا *** وزد لكالرشد وضد أكثرا ونقل عن الكلالي أن الستة من اللفيف تقوم مقام العدل الواحد، وظاهره أنه لا يكفي ذلك ولو عجز السفيه عن أكثر من شاهدين، والذي في المتيطية قال أصبغ في الموازية: لا تجوز شهادة رجلين في ترشيد حتى يكون ذلك فاشياً قال في الواضحة: فإن لم يكن فاشياً لم يدفع إليه ماله غير أن شهادتهما في تجويز ما فعله من عتق وغيره ماضية، ثم بعد كلام نقل عن أصبغ أن السفيه إن عجز عن أكثر من شاهدين لم يمنع من أخذ ماله اه. ونحوه في أقضية البرزلي قائلاً: إذا لم يمكنه الاستكثار يكفيه العدلان الخ. يعني وما يقوم مقامها من اللفيف وهو الاثنا عشر كما مر. قال ابن فرحون آخر الباب الأول من القسم الثاني ما نصه: الشهادة في الترشيد والتسفيه. قال ابن الماجشون وغيره من أصحاب مالك: يشترط فيهم الكثرة وأقلهم أربعة والمشهور أنه يجزىء في ذلك اثنان اه. قلت: وهذا المشهور لا أقل أن يصار إليه عند العجز عن الاستكثار فيجب أن يكلف بالاستكثار ابتداء فإن عجز فيكفيه اثنان لأنهما النصاب الذي شرطه الحق سبحانه في سائر الحقوق فلا تغتر بما يفعله القضاة اليوم من عدم الاكتفاء بالاثنين مع العجز مع أن المشهور من القول كما ترى، فقول الناظم: وليس يكفي فيهما العدلان يعني مع إمكان أكثر وإلا اكتفى بهما، ثم إذا شهد بالرشد أربعة عدول فأكثر وشهد عدلان بالسفه فإن شهادة السفه أعمل كما قال: (وفي مرد الرشد يكفيان) وقد تقدم ذلك في تعارض الشهادات. تنبيه: لا خصوصية للترشيد والتسفيه بالاستكثار المذكور بل قال في الفائق: كذلك ينبغي الاستكثار في كل موضع تكون الشهادة فيه على الظن الغالب مما لا سبيل فيه إلى القطع كالتفليس وحصر الورثة والاستلحاق والاستحقاق وانتقال الملك للوارث والشهادة للمرأة بغيبة زوجها، وعدم رجوعه إليها وتركها بغير نفقة والشهادة بالسماع إلى غير ذلك اه. وبالجملة؛ فوثائق الاسترعاء كلها ينبغي فيها الاستكثار مع الإمكان كما مر والله أعلم. له به بشرطين أن يعلم منه خيراً وإن يكون المال يسيراً كالخمسين والستين ديناراً كما لأبي الحسن، وظاهر النظم أنه يجوز للوصي ذلك ولو قبل بلوغ المحجور، وقيل لا يجوز إلا بعد البلوغ، اللهم إلا أن يجعل الوصي على الصبي من يرقبه أو كان متطلعاً عليه وهو الظاهر، لأن الاختبار السابق على البلوغ لا يوجب خروجه من الحجر ولا يعتمد عليه الوصي في إطلاقة منه كما مر، وكذا يجوز ذلك للمقدم بإذن القاضي فإن تلف المال المدفوع للاختبار فلا ضمان على الدافع إلا أن يرى أنه لا يصلح مثله للاختبار لشدة سفهه فيكون عليه الضمان، ولذلك يكتب الشهود في رسم الدفع أن اليتيم ممن يصح اختباره في علمهم. قال ابن سلمون: ونحوه في المتيطية. فرعان. الأول: فإن لحقه دين فقال ابن القاسم عن مالك في المدونة: لا يلزمه الدين لا فيما دفع إليه ولا في غيره، وعليه اقتصر ابن سلمون و(خ) حيث قال: وإن أودع صبياً إلى آخر ما يأتي، وقال أشهب وابن الماجشون: يكون ذلك الدين في المال الذي اختبره به. وقال القابسي: ينبغي أن يباع منه بالنقد فمن بايعه بالنقد فهذا الذي لا يكون له في المال المختبر به شيء على قول ابن القاسم إلا أن يكون في يده أكثر من الذي دفع إليه وليه فيكون حق الذي داينه في الزائد إذا كان الزائد من معاملته إياه. ووجه قول أشهب: إن أذن وليه له في التجارة يقتضي تعلق دين من داينه عليه فيها لأنه على ذلك داينه. ووجه قول مالك: إن الإذن لم يخرج به من الولاية وإنما هو لاختبار حاله فهو كالمولى عليه بعامل قاله ابن يونس. قلت: أفتى ابن الحاج وابن رشد أنه إذا تصرف بمرأى من وليه وطال تصرفه فإن ما لحقه من الدين يلزمه وتصرفه ماض. قال البرزلي: وبه العمل، وقال في موضع آخر، ظاهر المدونة: أنه متى رآه وليه يتصرف وسكت فإنه ماض ويحمل على أنه قصد ذلك وبه جرى العمل اه. وهذا إذا كان تصرفه سداداً ومصلحة وإلاَّ فلا، وتقدم عنه أيضاً نحوه في التنبيه الأول عند قوله: والابن ما دام صغيراً الخ. وذلك كله يقتضي أن الحكم والعمل بقول أشهب، ثم محل قول ابن القاسم إذا لم يثبت أنه أدخل ذلك الدين في مصالحه كما في المتيطية يعني أنه صرفه فيما لا بد له منه وإلاَّ فيلحقه في المال الذي كان بيده ولو لم يكن دفع للاختبار كما مر في الوديعة وكما يأتي. الثاني: قال في فصل تقسيم المدعى عليهم من التبصرة ما نصه: وإذا فرعنا على القول بلحوق الدين لما بيده فإن شهدت البينة على بيعه أو إسلافه معاينة أنفذ ذلك وعمل به، وإن شهدوا على إقراره لم يلزمه شيء إلا أن يشهدوا أن إقراره كان بحضرة المبايعة وبفورها وإن كانوا لم يحضروها لكنهم علموا أن ذلك كان في مجلس التبايع، فتجوز حينئذ ويفدى رب الحق فيما بيد السفيه من المال بعد الإعذار إلى وليه فيما ثبت عليه من ذلك اه. تنبيه: ذكر الزرقاني عند قول (خ) في الوديعة: وإن أودع صبياً أو سفيهاً أو أقرضه أو باعه فأتلف لم يضمن وإن بإذن أهله الخ. ما نصه. ثم عدم الضمان مقيد بما إذ لم ينصبه في حانوته فإن نصبه فيه ضمن ما أتلفه مما اشتراه أي: لأنه لما نصبه للبيع والشراء وقبول القرض والوديعة فقد أطلق له التصرف فيضمن كذا علله اللقاني، والمراد يضمن وليه الناصب له لا الصبي اه. فتأمل قوله: والمراد يضمن وليه الناصب له الخ. فإنه يجب أن يحمل على ما إذا نصبه وهو يرى عدم صلاحيته للاختبار كما مر، أو لم ينصبه بقصد الاختبار وإلاَّ فلا ضمان على الولي ولا سيما على القول بجواز اختبار الصبي، بل ولا على القول بعدم جوازه لأن التفريط إنما جاء من قبل من عامله لا من قبل من نصبه والله أعلم. وبالجملة، فلم يظهر وجه قوله: والمراد يضمن وليه الخ. وإن لم ينصبه بقصد الاختبار لأن التفريط إنما جاء من قبل عامله كما يأتي عن المدونة وما تقدم من أنه يضمن حيث علم أن مثله لا يصلح للاختبار إنما هو في ضمان مال المحجور لا في ضمان مال من عامله. وقول (خ): وإن بإذن أهله خاص بالوديعة، وأما بيعه وشراؤه بإذن وليه فهو ماض إن كان سداداً بل ولو لم يكن إذن وإنما كان هناك سكوت فإنه ماض أيضاً كما مر. تنبيه آخر: ابن حبيب: وإذا دفع الوصي مالاً ليتيمه ليختبره فأنكر ذلك اليتيم فالوصي مصدق فيما دفع إليه إذا علم أن اليتيم كان يتجر اه. ثم تقدم من الخلاف في كون الدين اللاحق يكون في المال المختبر به أو لا إنما هو فيما إذا كان الدافع هو الولي كما مر، وأما لو دفع أجنبي إلى محجور عليه من يتيم أو عبد ما لا يتجر به فقال في المدونة: ما لحقهما من دين فيه يكون في ذلك المال خاصة قال بخلاف الوصي فلا يلزم ذمتهما ولا ذمة الدافع بشيء. أبو الحسن: لأن الذي عامله فرط إذ لم يبحث ويتثبت لنفسه اه. تقدم أن أشهب وابن الماجشون خالفاه في الوصي. تنبيه آخر: قال في أنكحة المعيار عن ابن لب: أن للوصي أن يشتري للمحجور عليه ويبيع عليه ولا يفتقر في ذلك إلى إثبات سداد وهو محمول عليه، نعم إن كان عليه مشرف فلا بد من موافقته، فإن امتنع منه أثبت حينئذ السداد فيما فعل بعد مدة. تنبيه آخر: إذا اشترى عبد أو يتيم سلعة فأراد السيد أو الوصي فسخ ذلك فلهما ذلك فإن أراد المشتري منهما أو البائع أن يحلف السيد أو الوصي ما أذنا لهما في ذلك فليس لهما ذلك اه. قاله الرعيني في كتاب الدعوى والإنكار.
|